الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
<تنبيه> قال ابن عربي: الخلل في الصفوف طرق الشيطان والطريق واحدة وهي سبيل اللّه فإذا انقطع هذا الخط الظاهر من النقط ولم يتراص لم يظهر وجود للخط والمقصود وجود الخط فصفوف المصلين لا تكون في سبيل اللّه حتى تتصل ويتراص الناس فيها فمن لم يفعل وأدخل الخلل كان ممن سعى في قطع سبيله ولا يكون السبيل إلا كالخط الموجود من النقط المتجاورة التي ليس بين كل نقطتين حيز فارغ لا نقطة فيه وحينئذ يظهر صورة الخط فكذا الصف لا يظهر فيه سبيل اللّه حتى يتراص الناس فيه. - (حم ه حب ك) في الصلاة (عن عائشة) قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال مغلطاي حديث مختلف في إسناده لاختلاف حال رواية إسماعيل بن عياش. 1814 - (إن اللّه وملائكته) أي عباده المقربين المصطفون المصفون من أدناس البشر الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (يصلون على الصف الأول) أي على أهله وهو الذي يلي الإمام أي يستغفرون لأهله قال تعالى {ويستغفرون لمن في الأرض}-لما روى البزار عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استغفر للصف الأول ثلاثاً وللثاني مرتين وللثالث مرة فيستحب أن يتقدم الناس في الصف الأول ويستحب إتمامه ثم الذي يليه وأن لا يشرع في صف حتى يتم ما قبله وهذا الحكم مستمر في صفوف الرجال وكذا في صفوف النساء المنفردات بجماعتهن عن جماعة الرجال أما إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة فأفضل صفوف النساء آخرها- وتمام الحديث عند أحمد وغيره قالوا: يا رسول اللّه وعلى الثاني قال وعلى الثاني اهـ بلفظه. - (حم د ه) في الصلاة (ك) كلهم (عن البراء) بن عازب ولفظ رواية أبي داود عنه كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتخلل الصفوف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وكان يقول إن اللّه وملائكته يصلون على الصف الأول قال في الرياض إسناده حسن (ه عن عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة (طب عن النعمان بن بشير) الأنصاري (البزار) في مسنده (عن جابر) قال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد والبزار وغيرهما [ص 270] رجال أحمد موثقون. 1815 - (إن اللّه تعالى وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) أي يستغفرون لمن عن يمين الإمام من كل صف والمراد يستغفرون لهم أولاً أو كثيراً اهتماماً بشأنهم ثم يستغفرون لمن على اليسار لأن الاستغفار مخصوص بهم بدليل الخبر الآتي: من عمر ميسرة المسجد-قال الغزالي: ينبغي لداخل المسجد أن يقصد يمنة الصف فإنها يمن وبركة وإن اللّه تعالى يصلي على أهلها اهـ. قلت: وهذا إذا كان فيها سعة ولم يؤذ أهلها ولا تتعطل ميسرة المسجد، فإن قلت: ينافي هذا الحديث قوله صلى اللّه عليه وسلم: من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر، قلت: لا منافاة لأنه قد يحصل لصاحب الميمنة ما يوازي ذلك أو يزيد، وقد يحصل لصاحب الميسرة ما يزيد على صاحب الميمنة بسبب نيته وإخلاصه وسبب الحرص على ميمنة الإمام أن الصحابة رضي اللّه عنهم كانوا أحرص الناس على تحصيل القربات فلما حث النبي صلى اللّه عليه وسلم على ميمنة الصف ازدحموا عليها فتعطلت الميسرة فقال ذلك- - (د ه حب عن عائشة) سكت عليه أبو داود قال في الرياض إسناده على شرط مسلم وفيه رجل مختلف في توثيقه وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه سنده صحيح على شرط مسلم. 1816 - (إن اللّه تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين) أي الذين يتناولون السحور بقصد التقوي به على الصوم لما فيه من كسر شهوة البطن والفرج الموجبة لتصفية القلب وغلبة الروحانية على الجسمانية الموجبة للقرب من جانب الرب تعالى فلذلك كان السحور متأكد الندب جداً. - (حب طس حل عن ابن عمر) بن الخطاب قال الطبراني تفرد به يحيى بن زيد الخولاني قال الهيثمي: ولم أجد من ترجمه اهـ. وقال أبو نعيم غريب من حديث نافع لم يروه إلا عبد اللّه ابن سليمان المعروف بالطويل وعنه عبد اللّه بن عياش القتباني تفرد به إدريس بن يحيى الخولاني وهو عند أهل مصر كبشر بن الحارث عند أهل بغداد اهـ، وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجاً إلا لمن ذكر والأمر بخلافه فقد خرجه أحمد في المسند باللفظ المذكور عن ابن عمر المزبور وقد سبق أو يجيء قول الحافظ ابن حجر إذا كان الحديث في مسند أحمد لا يعزى لغيره ممن دونه وخرجه أيضاً الجوهري في أماليه من حديث ابن عمر بلفظ غذاء المؤمن السحور وإن اللّه وملائكته يصلون على المتسحرين قال المصنف يحصل من مجموع الطرق حسن الحديث. 1817 - (إن اللّه تعالى وملائكته يصلون على أصحاب العمائم) جمع عمامة أي الذين يلبسون العمائم (يوم الجمعة) ويحضرون صلاتها، وأخذ منه حجة الإسلام ندب التعميم وتأكده في هذا اليوم قال فإن كربه الحر فلا بأس أن ينزعها قبل الصلاة وبعدها لكن لا ينزعها في وقت السعي من المنزل إلى الجمعة ولا في وقت الصلاة ولا عند صعود الإمام المنبر ولا في خطبته اهـ-ويندب للإمام أن يزيد في حسن الهيئة- - (طب) عن محمد بن عبد اللّه الحضرمي عن العلاء بن عمر الحنفي عن أيوب ابن مدرك عن مكحول (عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي: أيوب بن مدرك كذبه ابن معين وقال تلميذه الهيثمي فيه أيوب بن مدرك. قال ابن معين كذاب اهـ وفي الميزان واللسان عن مرة كذاب وعن النسائي متروك له مناكير ثم عد من مناكيره هذا الحديث اهـ وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال لا أصل له تفرد به أيوب قال الأزدي: هو من وضعه كذبه يحيى وتركه الدارقطني اهـ ولم يتعقبه المؤلف بشيء سوى أنه قال اقتصر على تضعيفه الزين العراقي وابن حجر ولم يزد على ذلك وأنت خبير بما في هذا التعقب من التعصب. [ص 271] 1818 - (إن اللّه تعالى لا يجمع أمتي) أي علماء أمتي ولفظ رواية الترمذي لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد وهو تردّد من الراوي (على ضلالة) لأن العامة عنها تأخذ دينها، وإليها تفزع في النوازل فاقتضت الحكمة حفظها. قال الطيبي: وقوله أمّة محمد أظهر في الدراية لأن التخصيص يدل على امتياز أمته عن جميع الأمم بهذه الفضيلة فيلزم منه امتياز الفرقة الناجية المسماة بأهل السنة والجماعة من الفرق الضالة فلذلك عقبه بقوله (ويد اللّه على الجماعة) كناية عن الحفظ أي الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كنف اللّه ورعايته (ومن شذ) انفرد عن الجماعة قال الطيبي: ومعنى على كمعنى فوق في قوله تعالى {يد اللّه فوق أيديهم} فهو كناية عن النصرة والغلبة لأن من بايع الإمام الحق فكأنما بايع اللّه ومن بايع اللّه فإنه ينصره ويخذل أعداءه أي هو ناصرهم ومصيرهم غالبين على من سواهم ومن فارقهم فقد خلع ربقة الطاعة من عنقه وخرج عن نصرة اللّه فدخل النار، قالوا: وفي قوله ومن شذ للعطف على معنى الحصول في الوجود وتفويض ترتب الثانية على الأولى إلى فهم السامع الزكي الفطن ويحتمل لأن يضمن يد اللّه معنى الإحسان والإنعام بالتوفيق على استنباط الأحكام وعلى الإطلاع على ما كان عليه المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وصحبه من الاعتقاد (شذ إلى النار) أي إلى ما يوجب دخولها فأهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية، فالشذوذ الانفراد وشذ عن الجماعة انفرد عنهم. - (ت عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضاً الضياء في المختارة بلفظ إن اللّه لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبداً وإن يد اللّه مع الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذ شذ في النار قال ابن حجر رحمه اللّه في تخريج المختصر: حديث غريب خرجه أبو نعيم في الحلية واللالكائي في السنة ورجاله رجال الصحيح لكنه معلول فقد قال الحاكم لو كان محفوظاً حكمت بصحته على شرط الصحيح لكن اختلف فيه على معتمر بن سليمان على سبعة أقوال فذكرها وذلك مقتضى للاضطراب والمضطرب من أقسام الضعيف. 1819 - (إن اللّه تعالى لا يحب الفاحش) أي ذا الفحش في قوله وفعله بل يبغضه كما صرح به الحديث الآتي بقوله إن اللّه يبغض الفاحش إلخ والفحش اسم لكل خصلة قبيحة. وقال الحرالي: اسم لكل ما يكرهه الطبع من رذائل الأعمال الظاهرة كما ينكره العقل ويستخبثه الشرع فيتفق في حكمه آيات اللّه الثلاث من الشرع والعقل والطبع (المتفحش) أي الذي يتكلف ذلك ويتعمده يعني الفاحش المتفحش صنعاً (ولا الصياح) بفتح المهملة وشد المثناة تحت الصراخ (في الأسواق) أي كثير الصراخ في الشوارع والطرق ومجامع الناس كما يفعله السوقة والدلالون ونحوهم فيكره ذلك أما صياح نحو الدلال والمنادي ومعرف اللقطة ومنشد الضالة بقدر الحاجة فلا يكره. - (خد) وكذا ابن أبي الدنيا (عن جابر) قال الزين العراقي: وسنده ضعيف قال ولابن أبي الدنيا الطبراني عن أسامة بن زيد إن اللّه لا يحب الفاحش المتفحش وسنده جيد انتهى وفي مسلم من حديث عائشة إن اللّه لا يحب الفحش ولا التفحش. 1820 - (إن اللّه لا يحب الذواقين ولا الذواقات) قال الزمخشري: هو استطراق النكاح وقتاً بعد وقت كلما تزوج أو تزوجت مد عينه أو مدت عينها إلى آخر أو إلى أخرى قال: وهذا من المجاز وقول النهاية السريع النكاح السريع الطلاق فيه نظر لأن الحديث مصرح كما ترى بأن المذموم المبغوض أن يتزوجها أو تتزوجه بقصد ذوق عسليتها أو عسليته ثم تحصل المفارقة وقد يكون النكاح وسرعة الفراق لا لذلك وفيه أنه يكره التزوج بقصد ذلك لكنه يصح وذلك لأن مقصود النكاح النسل [ص 272] ودوام العشرة وحصول الألفة، وسرعة المفارقة مفوتة لذلك مع ما فيه من كسر القلب وتولد الضغائن، وتمسك به الحنفية على منع إباحة الطلاق إلا لضرورة. - (طب عن عبادة) بن الصامت قال الهيثمي فيه راو لم يسم وبقية إسناده حسن. 1821 - (إن اللّه لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه) الذي يصافيه الودّ ويخلصه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول (من أهل الأرض) يعني أماته (فصبر) العبد المؤمن على قضاء اللّه تعالى (واحتسب) أي طلب بفقده الاحتساب أي الثواب عند اللّه تعالى (بثواب دون الجنة) أي دون إدخاله إياها مع السابقين الأولين أو من غير عذاب أو بعد عذاب يستحق ما هو فوقه وهذا مرشح لما ذهب إليه ابن عبد السلام في طائفة من أن المصائب لا ثواب فيها بل في الصبر عليها لكونها ليست من كسب العبد، وذهب آخرون إلى خلافه وتأولوا هذا وما أشبهه. - (ن عن ابن عمرو) بن العاص. 1822 - (إن اللّه لا يستحيي) أي لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يفعل ما يفعله المستحيي من ترك ما يستحيا منه فالاستحياء هنا استعارة تبعية تمثيلية فالمراد أن اللّه لا يمتنع من بيان (الحق) أو من ذكره فكذا أنا لا أمتنع من إرشادي لكم وتعليمكم أمر دينكم وإن كان في لفظه استحياء وقدم ذلك توطئة وبسطاً لعذره في ذكره ما يستحيا منه عادة بحضرة النساء (لا تأتوا النساء) نساءكم أي تجامعوهنّ (في أدبارهن-قال الدميري اتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها قال أصحابنا لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين ولا غيرهم من الحيوانات في حال من الأحوال قال العلماء وقوله تعالى {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي في موضع الزرع من المرأة وهو قبل المرأة التي ينزرع فيها المني لابتغاء الولد ففيه إباحة وطئها في قبلها إن شاء من بين يديها وإن شاء مكبوبة وأن الدبر ليس هو موضع حرث ولا موضع زرع، ومعنى قوله {أنى شئتم} أي كيف شئتم-) لأنه ليس محل الحرث ولا موضع الزرع وإذا حرم وطء الحائض بعلة أن في فرجها أذى وهو دم الحيض فالدبر أولى لأن الفرج الحلال إذا حرم بطرق الأذى عليه فموضع لا يفارقه الأذى أحرى أن يحرم قال الطيبي: وفي جعل قوله "إن اللّه لا يستحيي" إلى آخره مقدمة وتمهيداً للنهي بعد إشعاره بشناعة هذا الفعل واستهجانه وكان من حق الظاهر إني لا أستحيي فأسند إليه تعالى للمبالغة والتأكيد ومن ثم اتفق الجمهور من السلف والخلف على تحريمه. - (ن) في عشرة النساء (ه) في النكاح (عن خزيمة) بضم المعجمة (ابن ثابت) قال المنذري: روياه بأسانيد أحدها جيد. 1823 - (إن اللّه تعالى لا يظلم) أي لا ينقص (المؤمن) وفي روايات مؤمناً (حسنة) أي لا يضع أجر حسنة المؤمن (يعطي) بالبناء للمفعول أي المؤمن (عليها) وفي رواية بها أي بتلك الحسنة أجراً في الدنيا وهو دفع البلاء وتوسعة الرزق وغير ذلك (ويثاب عليها في الآخرة) أي يثيبه اللّه أي يجازيه عليها برفع درجاته في الجنة فهو يجازي على حسناته في الدنيا وفي الآخرة (وأما الكافر) إذا عمل حسنة في الدنيا كأن فك أسيراً وأنقذ غريقاً (فيطعم بحسناته في الدنيا) أي يجازي فيها على ما فعله من القرب التي لا تحتاج لنية بنحو توسعة لرزقه ودفع مصيبة ونصر على عدو وغير ذلك، وقال في المؤمن يعطى وفي الكافر يطعم لأن العطاء أكثر استعماله فيما تحمد عاقبته (حتى إذا أفضى إلى الآخرة) أي صار إليها (لم تكن له حسنة يعطى لها خيراً) قال الطيبي: قوله لا يظلم أي لا ينقص وهو يتعدى إلى مفعولين أحدهما [ص 273] مؤمناً والآخر حسنة والياء في قوله يعطى بها إن حملت على السيئة يحتاج إلى مقدر أي يعطى بسببها حسنة وإن حملت على البدل فلا. وذكر في القرينة الثانية أن الكافر إذا فعل حسنة يستوفي أجرها بكمالها في الدنيا حتى لا يكون له نصيب في الآخرة والمؤمن إنما يجزى الجزاء الأوفى في الآخرة وتحرير المعنى أن اللّه لا يظلم أحداً على حسنة أما المؤمن فيجزيه في الآخرة الجزاء الأوفى ويفضل عليه في الدنيا وأما الكافر فيجزيه في الدنيا وماله في الآخرة من نصيب. - (حم م) في التوبة (عن أنس) ولم يخرجه البخاري. 1824 - (إن اللّه تعالى لا يعذب) بنار جهنم (من عباده إلا المارد المتمرد) أي العاتي الشديد المفرط في الاعتداء أو العناد (الذي يتمرد على اللّه) فأشرك معه غيره (وأبى) أي امتنع (أن يقول لا إله إلا اللّه) أي مع قرينتها وبقية شروطها وهذا كخبر لا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان وقد عورض بخبر أخرجوا من النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ودفع التعارض بحمل الإيمان العاصم عن النار على الإيمان العلمي والعملي وخلافه على خلافه. - (ه عن ابن عمر) قال قالت امرأة يا رسول اللّه أليس اللّه أرحم الراحمين قال بلى قالت أوليس أرحم بعباده من الأم بولدها؟ قال بلى قالت فإن الأمّ لا تلقي ولدها في النار فأكب رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم يبكي ثم رفع رأسه فذكره وفيه هشام بن عمار وسبق قول أبي داود فيه وإبراهيم بن أعين قال في الكاشف ضعفه أبو حاتم وإسماعيل بن يحيى الشيباني قال متهم وقال في الضعفاء قال يزيد بن هارون كذاب انتهى. 1825 - (إن اللّه لا يغلب) بضم أوله وفتح ثالثه إذ لا ضد له ولا ند ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه فهو الغالب القاهر فوق عباده (ولا يخلب) بخاء معجمة أي لا يخدع (ولا ينبأ بما لا يعلم) أي لا يخبره أحد بشيء لا يعلمه {قل أتنبئون اللّه بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض}،{لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} بل هو عالم بجميع الأمور ظاهرها وخفيها كليها وجزئها على المذهب المنصور وقول الحكماء يعلم الجزئيات على الوجه الكلي لا الجزئي أطيل في رده وحق من علم أنه تعالى موصوف بذلك أن يقف على قدم الأدب ويعمل على قضية ما هو شأنه من العجز وعدم مقاومة قهر الربوبية في شيء ولا يخادعه فإن من خادعه فإنما يخدع نفسه. - (طب عن معاوية) قال الهيثمي فيه يزيد بن يوسف الصغائي ضعيف متروك. 1826 - (إن اللّه لا يقبض العلم) المؤدي لمعرفة اللّه والإيمان به وعلم أحكامه، إذ العلم الحقيقي هو ذلك (انتزاعاً) مفعول مطلق قدم على فعله وهو ينتزعه أي محواً يمحوه قيل ولا يجوز تقديمه لأنه مؤكد ورتبته التأخير لأنه كالتابع فيكون إما منصوباً بفعل يفسره ما بعده وإما مفعول لقوله لا يقبض (من) صدور (العباد) الذين هم العلماء لأنه أكرم الأكرمين وهو وهبهم إياه فلا يسترجعه (ولكن يقبض العلم) وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التعظيم كما في قوله تعالى {اللّه الصمد} بعد {قل هو اللّه أحد} (بقبض العلماء) أي بموتهم فيقبض العلم بتضييع [ص 274] التعلم فلا يوجد فيمن بقي من يخلف من مضى وفي رواية للبخاري بدل هذا لكن ينتزعه منهم بقبض العلماء بعلمهم وتقديره ينتزعه بقبض العلماء مع علمهم ففيه نوع قلب وفي رواية لكن ذهابه قبض العلماء ومعانيها متقاربة قال ابن المنير: محو العلم من الصدور جائز في القدرة لكن الحديث دل على عدم وقوعه (حتى) ابتدائية دخلت على الجملة (إذا لم يبق) بضم أوله وكسر القاف (عالماً) وفي رواية يبق عالم بفتح الياء والقاف وفي رواية إذا لم يترك وعبر بإذا دون إن إيماء إلى أنه كائن لا محالة بالتدريج (اتخذ) أصله يتخذ قلبت الهمزة تاء ثم أدغمت التاء في التاء (الناس رؤساء) روي بضم الهمزة والتنوين جمع رأس وروي بفتحها وهم آخره جمع رئيس قال النووي كلاهما صحيح لكن الأول أشهر والمراد بالناس جميعهم فلا يصح أن الناس اتخذوا رؤوساً جهالاً إلا عند عدم العالم مطلقاً فسقط ما توهم من أن إذا شرطية ويلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط ومن وجوده وجوده لكنه ليس كذلك لجواز حصول الإيجاد مع وجود العالم وهذا حث على لزوم العلم (جهالاً) جهلاً بسيطاً أو مركباً (فسئلوا) بالبناء للمجهول وضميره يعود إلى رؤساء (فأفتوا بغير علم) في رواية برأيهم أي استكباراً وأنفة عن أن يقولوا لا نعلم (فضلوا) في أنفسهم (وأضلوا) من أفتوه وفي رواية وضلوا عن سواء السبيل. وهذا تحذير من ترئيس الجهلة وأن الفتوى هي الرئاسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بلا علم وأن قبض العلم موت حملته لا محوه منهم ولا يلزم من بقاء القرآن حينئذ بقاء العلم لأنه مستنبط منه ولا يلزم من المستنبط نفي المستنبط منه والعالم وإن كان قارئاً فهو أخص ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم وفيه جواز خلو الزمان عن مجتهد وعليه الجمهور خلافاً لأكثر الحنابلة وترئيس أهل الجهل ويلزمه الحكم بالجهل وهذا كما قال الكرماني: تعم القضاة الجاهلين إذ الحكم بشيء يستلزم الفتوى به ثم إن ذا لا يعارضه خبر لا تزال طائفة إلخ محل ذا على أصل الدين وذاك على فروعه أو أنه لا يقبض العلم إلى زمن مبادىء الأشراط قبل استحكام نهايتها فإذا أزفت الآزفة وأفرط قرب قيام الساعة وما أمر اللّه زال الكل فيحمل الخبر على زمنين مختلفين يزول التعارض من البين (تتمة) قال الراغب: لا شيء أوجب على السلطان من رعاية أحوال المتصدين للرياسة بالعلم فمنّ الاخلال بها ينتشر الشر ويكثر الأشرار ويقع بين الناس التباغض والتنافر وذلك أن السواس أربعة الأنبياء وحكمهم على الخاصة ظاهرهم وباطنهم والحكماء وحكمهم على بواطن الخاصة والوعاظ وحكمهم على بواطن العامة وصلاح العالم برعاية أمر هذه الساسات لتخدم العامة الخاصة وتسوس الخاصة العامة، وفساده في عكس ذلك، ولما ترشح قوم للزعامة في العلم بغير استحقاق وأحدثوا بجهلهم بدعاً استغنوا بها عامة واستجلبوا بها منفعة ورياسة فوجدوا من العامة مساعدة بمشاركتهم لهم وقرب جوهرهم منهم وفتحوا بذلك طرقاً منسدة ورفعوا به ستوراً مسبلة وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوها بالوقاحة وبما فيهم من الشره فبدعوا العلماء وجهلوهم اغتصاباً لسلطانهم ومنازعة لمكانهم فأعزوا بهم أتباعهم حتى وطئوهم بأظلافهم وأخفافهم فتولد بذلك البوار والجور العام والعار. - (حم ق ت عن ابن عمرو) بن العاص قال أحمد قال ذلك في حجة الوداع وفي الباب عن أبي أمامة أيضاً وزاد فقال أعرابي يا نبي اللّه كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف وقد نعلمنا ما فيها وعلمناها أبناءنا ونساءنا وخدمنا؟ فرفع رأسه وهو مغضب فقال هذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يتعلموا منها فيما جاءهم أنبياؤهم انتهى فأفاد أن بقاء الكتب بعد رفع العلم بموت العلماء لا يغني من ليس بعالم شيئاً، قال ابن حجر: قد اشتهر هذا الحديث من رواية هشام فوقع لنا من روايته أكثر من سبعين نفساً عنه. 1827 - (إن اللّه تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره) أي مرخيه إلى أسفل كعبيه أي لا يثيب رجلاً على صلاة أرخى [ص 275] فيها إزاره اختيالاً وعجباً وهذا قاله لمن رآه يصلي كذلك وأمره بأن يتوضأ أي ويعيد، وذلك لأن الصلاة حال تواضع وإسبال الإزار فعل متكبر فتعارضا قال ابن عربي: وأمره له بإعادة الوضوء أدب وتأكيد عليه ولأن المصلي يناجي ربه واللّه لا ينظر إلى من جر إزاره ولا يكلمه فلذلك لم يقبل صلاته بمعنى أنه لا يثيبه عليها وقال الطيبي: سر الأمر بالتوضىء وهو متطهر أن يتفكر الرجل في سبب ذلك الأمر فيقف على ما ارتكبه من الشناعة وأنه تعالى ببركة أمر رسوله صلى اللّه عليه وسلم وطهارة الظاهر يطهر باطنه من التكبر والخيلاء لأن طهارة الظاهر تؤثر في طهارة الباطن فعلى هذا ينبغي أن يعبر كلام المصطفى صلى اللّه عليه وسلم على أنه تعالى لا يقبل صلاة المتكبر المختال. - (د) في الصلاة واللباس (عن أبي هريرة) قال: بينما رجل يصلي إذ قال له النبي صلى اللّه عليه وسلم اذهب فتوضأ فقيل له في ذلك فقال إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن اللّه تعالى لا يقبل إلخ، قال النووي في رياضه: إسناده صحيح على شرط مسلم لكن أعله المنذري فقال فيه أبو جعفر رجل من المدينة لا يعرف. 1828 - (إن اللّه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً) بأن لا يشرك العامل في عبادة ربه أحداً (وابتغى به وجهه) فمن أراد بعمله الدنيا وزينتها دون اللّه والآخرة فحظه ما أراد وليس له غيره، وسبب هذا الحديث أن أبا أمامة قال: يا رسول اللّه أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال: لا شيء له فأعادها ثلاثاً يقول لا شيء له ثم ذكره، وبه نوزع كثيرون في قولهم لو أضاف إلى قصد إعلاء كلمة اللّه سبباً من الأسباب الدنيوية لم يضر حيث وقع ضمناً لا مقصوداً، وقول الآخرين إذا كان أصل الباعث الإعلاء لا يضر العارض الطارىء. قال ابن حجر: ويمكن حمل الحديث على من قصد الأمرين معاً فلا يخالف ما ذكر وقد قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد الإعلاء لم يضر ما انضاف إليه. <تنبيه> قال بعض العارفين: هذا الحديث قطع ظهور العاملين ولم يبق لهم معه تعلق بعمل وقد انكشف بالخبر والعيان ان شرط العمل الإخلاص وهذا الحديث من أقوى أدلة من قال لا ثواب في عمل إلا إن خلص كله من الرياء وأنه لا يعتبر غلبة الباعث الذي عليه الإمام الغزالي. - (ن عن أبي أمامة) قال: قلت يا رسول اللّه أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال: لا شيء له فأعادها ثلاثاً يقول لا شيء له ثم ذكره قال العلاء والحديث صحيح صححه الحاكم وقال المنذري إسناده جيد وقال الحافظ العراقي حسن وقال ابن حجر جيد وعدل المصنف عن عزوه لأبي داود كما فعل عبد الحق لقول ابن القطان إنه ليس عنده لكن أطلق ابن حجر في الفتح عزوه له. 1829 - (إن اللّه لا يقبل صلاة من لا يصيب أنفه الأرض) في السجود فوضع الأنف واجب أو مندوب؟ على قولين فيه فمن أوجبه أجرى الحديث على ظاهره وأبطل الصلاة بالإخلال به ومن ندبه حمل الحديث على أن القبول المنفي هو كمال القبول لا أصله. - (طب عن أم عطية) الأنصارية الخاتنة قال الهيثمي: فيه سليمان القافلاني وهو متروك. 1830 - (إن اللّه لا يقدس) أي يطهر (أمة) أي جماعة (لا يعطون الضعيف منهم) في رواية فيهم (حقه) وذلك لأن اللّه سبحانه وتعالى جعل الحق ليقتضي الوفاء بقيام التوحيد والإنقياد له فإذا وجدهم الحق معظمين له قائمين بوفائه رجع إلى اللّه تعالى مثنياً عليهم فرجع من اللّه بالتقديس إليهم والإمداد بالإرشاد حتى يزدادوا قوة على القيام به ومن وجده الحق غير معظم له رجع إلى اللّه ليشكوه والرحمة تلقى الحق بين يدي اللّه تعالى مراقبة للحق فكلما جاء الحق يشكو من الخلق حنت الرحمة في محلها حنين الوالهة فيسكن سلطان الغضب ولولا شأن الرحمة ثار السلطان فدمر العباد والبلاد فإذا [ص 276] جاء الحق يشكو مؤذياً معانداً جباراً ثار السلطان بالعقوبات فاعتزلت الرحمة فإن المعاند مبارز فرب قوم تحل منهم العقوبة في طرفة عين ورب آخرين رأسهم مظلمة سنين حتى يقع عليهم وهم في غفلتهم لاهين. - (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه أبو سعيد البقال وهو ضعيف وظاهره أنه لا يوجد مخرجاً في شيء من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف والأمر بخلافه فقد خرجه ابن ماجه بلفظ لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ورواه الشافعي رضي اللّه عنه بلفظ الطبراني مصرحاً بالسبب فقال إن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بني زهرة نكب عنا ابن أم معبد يعنون ابن مسعود أي اصرفه عنا يا رسول اللّه ويحتمل أن الأمر لابن مسعود على حذف حرف النداء فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم بعثني اللّه إذن؟ إن اللّه إلخ أي إن خفتم شره وأذى مجاورته فإنني آخذ للضعبف من القوي حقه أو أراد أن ابن مسعود هو الضعيف وهذا حقه فلم تأمرونه بالإنصراف عنكم انتهى قال ابن حجر: ورواه ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان عن جابر وغيرهما. 1831 - (إن اللّه تعالى لا ينام) أي يستحيل عليه النوم لأنه انغمار وغلبة على العقل يسقط به الإحساس لاستراحة القوى والحواس وهو منزه عنه ومن كان بريئاً من ذلك لا يشغله شأن عن شأن (لا ينبغي له أن ينام) قال الأشرفي: لما كانت الكلمة الأولى تدل بظاهرها على عدم صدور النوم منه سبحانه أكدها بالثانية الدالة على نفي جواز صدوره عنه إذ لا يلزم من عدم الصدور عدم جواز الصدور وذلك لأنه تعالى لو نام لم تستمسك السماء والأرض هكذا عللّه به في حديث رواه الموصلي عن أبي هريرة مرفوعاً: وقع في نفس موسى عليه الصلاة والسلام هل ينام اللّه عز وجل فأرسل اللّه إليه ملكاً أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يستحفظ بهما فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة فاصطكت يداه فانكسرت القارورتان فضرب اللّه مثله إن اللّه عز وجل لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض انتهى وفيه أمية بن شبل ذكره في الميزان ولم يذكر أن أحداً ضعفه وإنما ذكر له هذا الحديث وضعفه به ورده الهيثمي بأن ابن حبان ذكره في الثقات وحينئذ فهو صحيح (يخفض القسط ويرفعه) أي ينقص الرزق باعتبار ما كان يمنحه قبل ذلك ويزيد بالنظر إليه بمقتضى قدره الذي هو تفصيل لقضائه الأول فمحصوله يقلل لمن يشاء ويكثر لمن يشاء بالقسط أو أراد بالقسط العدل الذي يرفع بعدله الطائع ويخفض العاصي وهو إشارة إلى آثار القدرة الكاملة التي لا تقاس عليها غيرها فهو إخبار بأن بيده تصاريف الأمور وتكوينها على ما يشاء وأي زمن شاء وأشار بنوعي الرفع والخفض إلى أن قدرته لا تتعلق بشيء واحد بل يظهر عنها المتضادات والمختلفات والمتماثلات كذا في المطامح وقال التوربشتي: فسر بعضهم القسط بالرزق أي يقتره ويوسعه عبر به عنه لأنه قسط كل مخلوق وبعضهم بالميزان ويسمى قسطاً لما يقع به من المعدلة في القسمة وهو أولى لخبر يرفع الميزان ويخفضه ويحتمل أن المراد من رفع الميزان ما يوزن من أرزاق العباد النازلة من عنده وأعمالهم المرتفعة إليه ويحتمل أنه إشارة إلى أنه تعالى كل يوم هو في شأن وأنه يحكم في خلقه بميزان العدل وبين المعنى بما شوهد من وزن الوزان الذي يزن فيخفض يده ويرفعها وهذا يناسب قوله ولا ينبغي له أن ينام أي كيف يجوز عليه ذلك وهو الذي يتصرف أبداً في ملكه بميزان العدل (يرفع) بصيغة المجهول (إليه) أي إلى خزائنه كما يقال حمل المال إلى الملك فيضبط إلى يوم الجزاء أو يعرض عليه وإن كان أعلم به ليأمر ملائكته بإمضاء ما مضى لفاعله جزاء له على فعله (عمل الليل قبل عمل النهار) أي قبل أن يؤتى بعمل النهار الذي بعده (وعمل النهار قبل عمل الليل) الذي بعده وبه خص عموم خبر ما في رواية لمسلم عمل [ص 277] النهار بالليل ومعناه يرفع إليه عمل النهار في أول الليل الذي بعده وعمل الليل في أول النهار الذي بعده فإن الحفظة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل-ولا تعارض بينه وبين ما يأتي أن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس لأن هذا العرض يوم الإثنين والخميس عرض خاص كما في خبر إن اللّه تكفل برزق طالب العلم فهو تكفل خاص وإلا فالبارىء يتكفل بأرزاق جميع الخلائق {وما من دابة في الأرض إلا على اللّه رزقها} ووجه الجمع أن الأعمال تعرض كل يوم فإذا كان الخميس عرضت عرضاً آخر يطرح منها ما ليس فيه ثواب ولا عقاب أي من الأعمال المباحة نحو أكل وشرب ويثبت ما فيه ثواب وعقاب- وفيه تعجيل إجابته لمن دعاه وحسن قبوله من عمل له (حجابه النور) أي تحيرت البصائر والأبصار وارتجت طرق الأفكار دون أنوار عظمته وكبريائه وأشعة عزه وسلطانه فهي الحجب التي تحول بين العقول البشرية وما وراءها وفي رواية لمسلم النار بدل النور. قال الطيبي: وهذا استئناف جواب عمن قال لم لا نشاهد اللّه فقال: هو محتجب بنور عزته وأشعة عظمته وذلك الحجاب هو الذي تدهش دونه العقول وتذهب الأبصار وتتحير البصائر فحجابه خلاف الحجب المعهودة فكيف يشاهد (لو كشفه) بتذكير الضمير أي النور، هذه هي الرواية وفي بعض النسخ كشفها وهو تحريف من النساخ استئناف جواب لمن قال لم لا يكشف الحجب (لأحرقت سبحات) بضم السين والباء جمع سبحة وهي العظمة (وجهه) أي ذاته قال القاضي: وهي الأنوار التي إذا رآها الملائكة المقربون سبحوا لما يروعهم من الجلال والعظمة (وما انتهى إليه) أي إلى وجهه (بصره) الضمير فيه راجع إلى ما و (من خلقه) بيان له وقيل سبحات وجهه جلاله يعني لو كشفت فتجلى ما وراءها لأحرقت عظمة جلال ذاته وأفنت ما انتهى إليه بصره من خلفه لعدم إطاقته وهو يعد في دار الدنيا منغمس في الشهوات متآلف بالمحسوسات محجوب بالشواغل البدنية والعوائق الجسمانية عن حضرته والإتصال بها ومشاهدة جمالها ذكره القاضي وقال الزمخشري: السبحات جمع سبحة كغرفات وغرفة والسبحة اسم لما يسبح به ومنها سبح العجوز لأنها تسبح بهن والمراد صفات اللّه التي يسبح بها المسبحون من إجلاله وعظمته وقدرته والنور الآيات البينات التي نصبها إعلاماً لتشهد له وتطرق إلى معرفته والإعتراف به فشبهت بالنور في إنارتها وهدايتها انتهى. وقال البعض: أراد بما انتهى إليه جميع المخلوقات من سائر العوالم السفلية والعلوية لأن بصره تعالى محيط بالكل يعني لو كشف الحجاب عن ذاته لاضمحلت جميع مخلوقاته وهذا كله تقريب لأفهام العباد لأن كون الشيء ذا حجاب من أوصاف الجسم والحق سبحانه منزه عن ذلك ثم إن هذا قد تمسك به بعض أهل الاعتزال لمذهبهم من عدم رؤية اللّه في الآخرة وأجيب بأن المراد منه مرتبة الألوهية واللّه تعالى لا يرى بها إنما يرى بمرتبة الربوبية (تتمة) قال في الحكم: الحق ليس بمحجوب إنما المحجوب أنت عن النظر إليه إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشيء فهو له قاهر {وهو القاهر فوق عباده} كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر لكل شيء في ظهور ذلك الشيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء. - (م) في الأيمان (ه) في السنة (عن أبي موسى) الأشعري واسمه عبد اللّه بن قيس قال: قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم بخمس كلمات فقال إن اللّه إلخ. 1832 - (إن اللّه لا ينظر إلى صوركم) أي لا يجازيكم على ظاهرها (ولا إلى أموالكم) الخالية من الخيرات أي لا يثيبكم عليها ولا يقربكم منه (ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم) التي هي محل التقوى وأوعية الجواهر وكنوز المعرفة (وأعمالكم) [ص 278] {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً} فمعنى النظر هنا الإحسان والرحمة والعطف ومعنى نفيه نفي ذلك فعبر عن الكائن عند النظر بالنظر مجازاً وذلك لأن النظر في الشاهد دليل المحبة وترك النظر دليل البغض والكراهية وميل الناس إلى الصور المعجبة والأموال الفائقة واللّه منزه عن ذلك فجعل نظره إلى ما هو السر والب وهو القلب والعمل. والجمال قسمان ظاهري وباطني كجمال علم وعقل وكرم وهذا هو محل نظر اللّه من غيره وموضع محبته فيرى صاحب الجمال الباطني فيكسوه من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطي حلاوة ومهابة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وإن كان أسود مشوهاً وهذا أمر مشهود للعيان.
|